تفسير بعض من آيات البقرة
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تفسير بعض من آيات البقرة
تفسير بعض من آيات البقرة
211– إنّ قريشاً سألوا النبيّ أن يأتيهم بمعجزة مادّية فيصدّقونه ، فنزلت هذه الآية (سَلْ ) يا محمّد (بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) أي كم أعطيناهم من معجزة واضحة تدلّ على صدق أنبيائهم فكفروا بها وكذّبوا . فإنّ موسى جاء بالعصا والمعجزات الأخرى إلى فرعون وقومه فلم يؤمنوا به ولم يصدّقوه بل كذّبوا وقالوا هذا سحر مبين ، فانتقمنا منهم وأغرقناهم في اليمّ . وإنّ عيسى أنبأهم بالمغيّبات وأحيا لهم الأموات وأبرأ الأكمه والأبرص وغير ذلك من المعجزات فلم يؤمن به اليهود بل كذّبوه وأرادوا قتله .
وهكذا باقي الأنبياء كلّ من جاء بمعجزة مادّية فإنّ قومه يكذّبون بها ويقولون هذا سحرٌ مبين . وكذلك أنت يا محمّد لو أعطيناك معجزة مادّية لكذّب بها قومك وقالوا هذا سحرٌ مبين ، ولكن الأحسن من ذلك هي المعجزات العلمية والأدلّة العقليّة التي أنزلناها عليك فادعهم إلى الإيمان بِها فهي تؤثّر فيهم أكثر من المعجزات المادّية . وذلك قوله تعالى في سورة النحل {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} . فقوله تعالى (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) يعني إذا لم يطمئنّ قلبك يا محمّد بهذا الجواب فاسأل بني إسرائيل كم آتيناهم من معجزة فكذّبوا بها وأبدلوها بالكفر (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ ) بالكفر (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ ) على لسان محمّد ، ويريد بالنعمة آيات القرآن والموعظة والهداية إلى طريق الحقّ فهي نعمة من الله على الناس وعلى الأنبياء أيضاً ولذلك قال الله تعالى في سورة الضحى مخاطباً رسوله : {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أي حدّث الناس برسالتك ولا تخشَ أحداً (فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن جحد بآياته وكذّب رسله .
213 – (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) فاختلفوا ، أي كانوا على ملّة واحدة ليس فيهم من يشرك بالله ، وذلك في زمن آدم ، فاختلفوا من بعده إلى مذاهب شتّى وأشركوا ، (فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ) بالجنّة لمن أطاعه (وَمُنذِرِينَ ) بالنار لمن عصاه وأشرك به (وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) يعني الكتب السماوية (بِالْحَقِّ ) أي بتبيان الحقّ (لِيَحْكُمَ ) كلّ نبيّ (بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) من الأديان والمذاهب الباطلة ويرشدهم إلى دين الحقّ (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ ) أي في الكتاب (إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ ) وهم علماء الضلال من اليهود والنصارى وغيرهم الذين طلبوا الدنيا والرياسة (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) أي وكان اختلاف هؤلاء العلماء في الكتاب بعد الذي جاءهم من البيّنات على صدقه ، وسبب ذلك الاختلاف كان (بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) أي حسداً بينهم وظلماً وطلباً للرياسة (فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ ) إلى طريق الإسلام (لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ) أي لِما كانوا مختلفين فيه من الحقّ ، والمعنى أنّ الله تعالى أوضح لهم الطريق حتّى عرفوا الحقّ من الباطل (بِإِذْنِهِ ) أي وكان هداهم إلى طريق الإسلام بإذنٍ من الله ، لأنّ الله تعالى أذن لملائكته فأرشدتْهم إلى ذلك بالإلهام والإيحاء ، وإنّهم كانوا أهلاً للهداية حيث لم يكونوا أهل تكبّر وحسد ، والله يهدي من يشاء ، أي من كان أهلاً للهداية (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني إلى طريق الحقّ .
214 – كان بعض من أسلم في زمن النبيّ لا يقومون بالواجب ولا ينشرون الدعوة ولا يجاهدون في سبيل الله بل اكتفوا بمجرّد القول حيث قالوا آمنّا ، فإذا سألهم بعض أصحابهم عن سبب امتناعهم عن الجهاد قالوا نخاف من الأذى والقتل ، فنزلت فيهم هذه الآية (أَمْ حَسِبْتُمْ ) أيّها المسلمون ، والتقدير: أظننتم أنّكم تثابون بمجرّد قولكم آمنّا دون أن تعملوا أم حسبتم (أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ ) يوم القيامة بدون عمل (وَلَمَّا يَأْتِكُم ) من الأذى والمحن تضجرون وتنفرون 1 ، فليس هذا عمل المسلم ، ألا تكونون (مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ) من المؤمنين في الأمم السالفة (مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء ) البأس هو الشدّة وجمعه بأساء ، والضرّ هو الفقر والمرض وجمعه ضرّاء ، والمعنى أصابتهم الشدائد بسبب الجهاد ، والفقر بسبب تركهم ديارهم وأموالهم في سبيل الله لأنّهم اتّبعوا رسلهم (وَزُلْزِلُواْ ) أي أزعِجوا وأوذوا فصبروا ونصروا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ) أي يقول بعضهم لبعض (مَتَى نَصْرُ اللّهِ ) يعني يقول المؤمنون لرسولهم متى نصر الله ، فيقول الرسول في جوابهم (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) يعني يقول لهم اصبروا وسيأتيكم النصر عن قريب .
--------------------------------------------
1 [وهذه الآية يستمرّ حكمها كلّ حين ، وخاصّةً عند ظهور المهدي إذ تحتّم على الذين اتّبعوه أن يجاهروا بالدعوة ، بين أهليهم وفي محلاّتهم ، وفي تجوالهم ومنتزهاتهم ليلاً ونهاراً لأنّهم بذلك ينقذون نفوساً كثيرة من المروق من الإسلام ، ويحبّذون الإسلام لآخرين - المراجع ]
217 – إنّ رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من كفّار قريش في أوّل يوم من رجب وكان قد اشتبه فيه هل هو من جماد أو من رجب ، وكانت العادة عند العرب أنّهم يتركون القتال في الأشهر الحرم ، فلمّا قُتِل رجل من قريش جاؤوا إلى النبيّ يسألونه على وجه الإنكار هل يباح القتال في الشهر الحرام ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ ) يا محمّد (عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) يريد به شهر رجب (قِتَالٍ فِيهِ ) أي هل يباح القتال فيه (قُلْ ) يا محمّد لهم (قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) أي القتال فيه عظيم وذنب كبير (وَ ) لكن (صَدٌّ ) منكم أيّها المشركون (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) أي عن دين الله ، وهو دين الإسلام أكبر عند الله من القتل في الشهر الحرام ، لأنّ المشركين كانوا يصدّون الناس عن دين الإسلام ولا يدعونهم يؤمنون (وَكُفْرٌ ) منكم (بِهِ ) أي بالله (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي وكفر منكم بالمسجد الحرام ، لأنّهم وضعوا الأصنام فوق الكعبة وكانوا يعبدونها (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ ) يعني أهل المسجد وهم النبيّ والمسلمون (مِنْهُ ) أي من المسجد ، يعني إخراج المسلمين من مكة حين هاجروا إلى المدينة (أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ ) والمعنى أنّ أفعالكم هذه وكفركم بالله وفي المسجد الحرام أعظم عند الله من قتل رجل مشرك في الشهر الحرام (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) أي وإنّ افتتناكم الناس بالكفر وصدّهم عن دين الإسلام أعظم وزراً عند الله من قتل رجل مشرك . ثمّ أخبر سبحانه عن عناد هؤلاء الكفّار وتعنّتهم فقال (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) يعني أهل مكة والخطاب للمسلمين (حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ) أي إنْ قدروا على ذلك ، وقد ارتدّ فريق من المسلمين بعد وفاة النبيّ فقاتلهم أبو بكر فرجع قسم منهم إلى دين الإسلام ثانية (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ) يعني فيموت على كفره ولا يعود إلى دين الإسلام (فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) أي ذهبت أعمالهم التي عملوها وقت إسلامهم أدراج الرياح ، أي خسروا نتائج أعمالهم ، أمّا في الدنيا فإنّهم أبدلوا حسن الذكر والشرف الذي نالهم في الإسلام بسوء الذكر والعار الذي نالهم عند ارتدادهم عن الإسلام ، وأمّا الذي خسروه في الآخرة فإنّهم أبدلوا الجنّة بالنار وحسن الذكر بالعار ومرضاة الله بغضبه (وَأُوْلَـئِكَ ) الكفار والمرتدّون (أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي دائمون في النار .
منقول من كتاب المتشابه من القرآن
للمرحوم محمد علي حسن
==================== ==
وننقل هنا التفسير الميسر للتوضيح
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 211 )
سل - أيها الرسول- بني إسرائيل المعاندين لك: كم أعطيناهم من آيات واضحات في كتبهم تهديهم إلى الحق, فكفروا بها كلها, وأعرضوا عنها, وحَرَّفوها عن مواضعها. ومن يبدل نعمة الله - وهي دينه- ويكفر بها من بعد معرفتها, وقيام الحجة عليه بها, فإن الله تعالى شديد العقاب له.
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 213 )
كان الناس جماعة واحدة, متفقين على الإيمان بالله ثم اختلفوا في دينهم, فبعث الله النبيين دعاة لدين الله, مبشرين مَن أطاع الله بالجنة, ومحذرين من كفر به وعصاه النار, وأنزل معهم الكتب السماوية بالحق الذي اشتملت عليه; ليحكموا بما فيها بين الناس فيما اختلفوا فيه, وما اخْتَلَف في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه ظلمًا وحسدًا إلا الذين أعطاهم الله التوراة, وعرفوا ما فيها من الحجج والأحكام, فوفَّق الله المؤمنين بفضله إلى تمييز الحق من الباطل, ومعرفة ما اختلفوا فيه. والله يوفِّق من يشاء من عباده إلى طريق مستقيم.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ( 214 )
بل أظننتم - أيها المؤمنون- أن تدخلوا الجنة, ولمَّا يصبكم من الابتلاء مثل ما أصاب المؤمنين الذين مضوا من قبلكم: من الفقر والأمراض والخوف والرعب, وزُلزلوا بأنواع المخاوف, حتى قال رسولهم والمؤمنون معه - على سبيل الاستعجال للنصر من الله تعالى- : متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب من المؤمنين.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 217 )
يسألك المشركون - أيها الرسول- عن الشهر الحرام: هل يحل فيه القتال؟ قل لهم: القتال في الشهر الحرام عظيم عند الله استحلاله وسفك الدماء فيه, ومَنْعكم الناس من دخول الإسلام بالتعذيب والتخويف, وجحودكم بالله وبرسوله وبدينه, ومَنْع المسلمين من دخول المسجد الحرام, وإخراج النبي والمهاجرين منه وهم أهله وأولياؤه, ذلك أكبر ذنبًا, وأعظم جرمًا عند الله من القتال في الشهر الحرام. والشرك الذي أنتم فيه أكبر وأشد من القتل في الشهر الحرام. وهؤلاء الكفار لم يرتدعوا عن جرائمهم, بل هم مستمرون عليها, ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا تحقيق ذلك. ومن أطاعهم منكم - أيها المسلمون- وارتدَّ عن دينه فمات على الكفر, فقد ذهب عمله في الدنيا والآخرة, وصار من الملازمين لنار جهنم لا يخرج منها أبدًا.
تابعونا
211– إنّ قريشاً سألوا النبيّ أن يأتيهم بمعجزة مادّية فيصدّقونه ، فنزلت هذه الآية (سَلْ ) يا محمّد (بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) أي كم أعطيناهم من معجزة واضحة تدلّ على صدق أنبيائهم فكفروا بها وكذّبوا . فإنّ موسى جاء بالعصا والمعجزات الأخرى إلى فرعون وقومه فلم يؤمنوا به ولم يصدّقوه بل كذّبوا وقالوا هذا سحر مبين ، فانتقمنا منهم وأغرقناهم في اليمّ . وإنّ عيسى أنبأهم بالمغيّبات وأحيا لهم الأموات وأبرأ الأكمه والأبرص وغير ذلك من المعجزات فلم يؤمن به اليهود بل كذّبوه وأرادوا قتله .
وهكذا باقي الأنبياء كلّ من جاء بمعجزة مادّية فإنّ قومه يكذّبون بها ويقولون هذا سحرٌ مبين . وكذلك أنت يا محمّد لو أعطيناك معجزة مادّية لكذّب بها قومك وقالوا هذا سحرٌ مبين ، ولكن الأحسن من ذلك هي المعجزات العلمية والأدلّة العقليّة التي أنزلناها عليك فادعهم إلى الإيمان بِها فهي تؤثّر فيهم أكثر من المعجزات المادّية . وذلك قوله تعالى في سورة النحل {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} . فقوله تعالى (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) يعني إذا لم يطمئنّ قلبك يا محمّد بهذا الجواب فاسأل بني إسرائيل كم آتيناهم من معجزة فكذّبوا بها وأبدلوها بالكفر (وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ ) بالكفر (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ ) على لسان محمّد ، ويريد بالنعمة آيات القرآن والموعظة والهداية إلى طريق الحقّ فهي نعمة من الله على الناس وعلى الأنبياء أيضاً ولذلك قال الله تعالى في سورة الضحى مخاطباً رسوله : {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أي حدّث الناس برسالتك ولا تخشَ أحداً (فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) لمن جحد بآياته وكذّب رسله .
213 – (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) فاختلفوا ، أي كانوا على ملّة واحدة ليس فيهم من يشرك بالله ، وذلك في زمن آدم ، فاختلفوا من بعده إلى مذاهب شتّى وأشركوا ، (فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ) بالجنّة لمن أطاعه (وَمُنذِرِينَ ) بالنار لمن عصاه وأشرك به (وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ) يعني الكتب السماوية (بِالْحَقِّ ) أي بتبيان الحقّ (لِيَحْكُمَ ) كلّ نبيّ (بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) من الأديان والمذاهب الباطلة ويرشدهم إلى دين الحقّ (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ ) أي في الكتاب (إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ ) وهم علماء الضلال من اليهود والنصارى وغيرهم الذين طلبوا الدنيا والرياسة (مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) أي وكان اختلاف هؤلاء العلماء في الكتاب بعد الذي جاءهم من البيّنات على صدقه ، وسبب ذلك الاختلاف كان (بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) أي حسداً بينهم وظلماً وطلباً للرياسة (فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ ) إلى طريق الإسلام (لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ ) أي لِما كانوا مختلفين فيه من الحقّ ، والمعنى أنّ الله تعالى أوضح لهم الطريق حتّى عرفوا الحقّ من الباطل (بِإِذْنِهِ ) أي وكان هداهم إلى طريق الإسلام بإذنٍ من الله ، لأنّ الله تعالى أذن لملائكته فأرشدتْهم إلى ذلك بالإلهام والإيحاء ، وإنّهم كانوا أهلاً للهداية حيث لم يكونوا أهل تكبّر وحسد ، والله يهدي من يشاء ، أي من كان أهلاً للهداية (إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعني إلى طريق الحقّ .
214 – كان بعض من أسلم في زمن النبيّ لا يقومون بالواجب ولا ينشرون الدعوة ولا يجاهدون في سبيل الله بل اكتفوا بمجرّد القول حيث قالوا آمنّا ، فإذا سألهم بعض أصحابهم عن سبب امتناعهم عن الجهاد قالوا نخاف من الأذى والقتل ، فنزلت فيهم هذه الآية (أَمْ حَسِبْتُمْ ) أيّها المسلمون ، والتقدير: أظننتم أنّكم تثابون بمجرّد قولكم آمنّا دون أن تعملوا أم حسبتم (أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ ) يوم القيامة بدون عمل (وَلَمَّا يَأْتِكُم ) من الأذى والمحن تضجرون وتنفرون 1 ، فليس هذا عمل المسلم ، ألا تكونون (مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ) من المؤمنين في الأمم السالفة (مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء ) البأس هو الشدّة وجمعه بأساء ، والضرّ هو الفقر والمرض وجمعه ضرّاء ، والمعنى أصابتهم الشدائد بسبب الجهاد ، والفقر بسبب تركهم ديارهم وأموالهم في سبيل الله لأنّهم اتّبعوا رسلهم (وَزُلْزِلُواْ ) أي أزعِجوا وأوذوا فصبروا ونصروا (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ) أي يقول بعضهم لبعض (مَتَى نَصْرُ اللّهِ ) يعني يقول المؤمنون لرسولهم متى نصر الله ، فيقول الرسول في جوابهم (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) يعني يقول لهم اصبروا وسيأتيكم النصر عن قريب .
--------------------------------------------
1 [وهذه الآية يستمرّ حكمها كلّ حين ، وخاصّةً عند ظهور المهدي إذ تحتّم على الذين اتّبعوه أن يجاهروا بالدعوة ، بين أهليهم وفي محلاّتهم ، وفي تجوالهم ومنتزهاتهم ليلاً ونهاراً لأنّهم بذلك ينقذون نفوساً كثيرة من المروق من الإسلام ، ويحبّذون الإسلام لآخرين - المراجع ]
217 – إنّ رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من كفّار قريش في أوّل يوم من رجب وكان قد اشتبه فيه هل هو من جماد أو من رجب ، وكانت العادة عند العرب أنّهم يتركون القتال في الأشهر الحرم ، فلمّا قُتِل رجل من قريش جاؤوا إلى النبيّ يسألونه على وجه الإنكار هل يباح القتال في الشهر الحرام ، فنزلت هذه الآية (يَسْأَلُونَكَ ) يا محمّد (عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) يريد به شهر رجب (قِتَالٍ فِيهِ ) أي هل يباح القتال فيه (قُلْ ) يا محمّد لهم (قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) أي القتال فيه عظيم وذنب كبير (وَ ) لكن (صَدٌّ ) منكم أيّها المشركون (عَن سَبِيلِ اللّهِ ) أي عن دين الله ، وهو دين الإسلام أكبر عند الله من القتل في الشهر الحرام ، لأنّ المشركين كانوا يصدّون الناس عن دين الإسلام ولا يدعونهم يؤمنون (وَكُفْرٌ ) منكم (بِهِ ) أي بالله (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي وكفر منكم بالمسجد الحرام ، لأنّهم وضعوا الأصنام فوق الكعبة وكانوا يعبدونها (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ ) يعني أهل المسجد وهم النبيّ والمسلمون (مِنْهُ ) أي من المسجد ، يعني إخراج المسلمين من مكة حين هاجروا إلى المدينة (أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ ) والمعنى أنّ أفعالكم هذه وكفركم بالله وفي المسجد الحرام أعظم عند الله من قتل رجل مشرك في الشهر الحرام (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) أي وإنّ افتتناكم الناس بالكفر وصدّهم عن دين الإسلام أعظم وزراً عند الله من قتل رجل مشرك . ثمّ أخبر سبحانه عن عناد هؤلاء الكفّار وتعنّتهم فقال (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) يعني أهل مكة والخطاب للمسلمين (حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ) أي إنْ قدروا على ذلك ، وقد ارتدّ فريق من المسلمين بعد وفاة النبيّ فقاتلهم أبو بكر فرجع قسم منهم إلى دين الإسلام ثانية (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ) يعني فيموت على كفره ولا يعود إلى دين الإسلام (فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) أي ذهبت أعمالهم التي عملوها وقت إسلامهم أدراج الرياح ، أي خسروا نتائج أعمالهم ، أمّا في الدنيا فإنّهم أبدلوا حسن الذكر والشرف الذي نالهم في الإسلام بسوء الذكر والعار الذي نالهم عند ارتدادهم عن الإسلام ، وأمّا الذي خسروه في الآخرة فإنّهم أبدلوا الجنّة بالنار وحسن الذكر بالعار ومرضاة الله بغضبه (وَأُوْلَـئِكَ ) الكفار والمرتدّون (أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أي دائمون في النار .
منقول من كتاب المتشابه من القرآن
للمرحوم محمد علي حسن
==================== ==
وننقل هنا التفسير الميسر للتوضيح
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 211 )
سل - أيها الرسول- بني إسرائيل المعاندين لك: كم أعطيناهم من آيات واضحات في كتبهم تهديهم إلى الحق, فكفروا بها كلها, وأعرضوا عنها, وحَرَّفوها عن مواضعها. ومن يبدل نعمة الله - وهي دينه- ويكفر بها من بعد معرفتها, وقيام الحجة عليه بها, فإن الله تعالى شديد العقاب له.
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 213 )
كان الناس جماعة واحدة, متفقين على الإيمان بالله ثم اختلفوا في دينهم, فبعث الله النبيين دعاة لدين الله, مبشرين مَن أطاع الله بالجنة, ومحذرين من كفر به وعصاه النار, وأنزل معهم الكتب السماوية بالحق الذي اشتملت عليه; ليحكموا بما فيها بين الناس فيما اختلفوا فيه, وما اخْتَلَف في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه ظلمًا وحسدًا إلا الذين أعطاهم الله التوراة, وعرفوا ما فيها من الحجج والأحكام, فوفَّق الله المؤمنين بفضله إلى تمييز الحق من الباطل, ومعرفة ما اختلفوا فيه. والله يوفِّق من يشاء من عباده إلى طريق مستقيم.
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ( 214 )
بل أظننتم - أيها المؤمنون- أن تدخلوا الجنة, ولمَّا يصبكم من الابتلاء مثل ما أصاب المؤمنين الذين مضوا من قبلكم: من الفقر والأمراض والخوف والرعب, وزُلزلوا بأنواع المخاوف, حتى قال رسولهم والمؤمنون معه - على سبيل الاستعجال للنصر من الله تعالى- : متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب من المؤمنين.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 217 )
يسألك المشركون - أيها الرسول- عن الشهر الحرام: هل يحل فيه القتال؟ قل لهم: القتال في الشهر الحرام عظيم عند الله استحلاله وسفك الدماء فيه, ومَنْعكم الناس من دخول الإسلام بالتعذيب والتخويف, وجحودكم بالله وبرسوله وبدينه, ومَنْع المسلمين من دخول المسجد الحرام, وإخراج النبي والمهاجرين منه وهم أهله وأولياؤه, ذلك أكبر ذنبًا, وأعظم جرمًا عند الله من القتال في الشهر الحرام. والشرك الذي أنتم فيه أكبر وأشد من القتل في الشهر الحرام. وهؤلاء الكفار لم يرتدعوا عن جرائمهم, بل هم مستمرون عليها, ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا تحقيق ذلك. ومن أطاعهم منكم - أيها المسلمون- وارتدَّ عن دينه فمات على الكفر, فقد ذهب عمله في الدنيا والآخرة, وصار من الملازمين لنار جهنم لا يخرج منها أبدًا.
تابعونا
رد: تفسير بعض من آيات البقرة
شكراااااااااااااااا على المجهود الرائع
Lovely_Misty- مشرفة منتدى كارتون الاطفال
رد: تفسير بعض من آيات البقرة
على المجهود الرائع جعله الله في ميزان حسناتك
مسلمة مصريه- مشرفة منتدى الصحه والطب البديل
مواضيع مماثلة
» ,,, آيات الصبر في القرآن الكريم ,,,
» فائدة من تفسير العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
» تفسير الآية (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ و ..........
» فائدة من تفسير العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
» تفسير الآية (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ و ..........
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى